ولدت في اسكتلندا لأب و أم إنجليزيين، و لم أر أبي الذي قتل في حرب البوير عام 1900 و ما زلت طفلاً و مرت الأيام و نحن نعيش عيشاً رغيداً حتى قامت الحرب العظمى الأولى عام 1914 فتطوعت في الجيش و ركبت البحر إلى فرنسا و انضممت إلى فرقة الفرسان و تقاذفتني ميادين القتال كأنها ديار الجحيم، و قضيت في الميدان الغربي فترة رأيت فيها من أهوال الحرب و فظائعها، ما لا طاقة لي بوصفه، و في أواخر عام 1918، و بعد أن أمضيت أربع سنوات في هذا الجحيم عدت فوجدت أمي قد ماتت، و أخوتي الثلاثة قد قتلوا في الحرب، و فهمت على وجهي، و رحت أطوف الدنيا فجست خلال الهند و الصين و اليابان و لم أجد ما اقطع به الوقت سوى دراسة اللغات و الديانات، و في سوريا تعلمت اللغة العربية و درست مختلف الأديان فلم أجد مثل ما وجدت من العزاء و الطمأنينة في مطالعة القرآن الكريم طالعته مراراً و تمعنت في معانيه و أشربت روحي فرأيت فيه عذوبة و روعة و لم يكن يوم يمر بي دون أن أتلو آياته، و في الثلاثينيات قدمت إلى الإسكندرية و همت على وجهي حتى وصلت إلى دمنهور و على شاطئ ترعة هناك رقدت و في اثناء نومي رأيت دخانا يتصاعد من الأرض حتى يتكاثف في السماء و ينعقد وقد أضاء نوراً عجيباً ثم تكونت منه كلمة (الإسلام) و صحوت و كلمة الإسلام لا تزال ملئ ناظري و حواسي، و ما كنت أفكر من قبل في اعتناق الإسلام و شعرت للمرة الأولى براحة و طمأنينة و في الطريق ما مررت بقروي إلا أقرأني السلام و دعاني للطعام، و بذل جهده في إكرامي و إضافتي في منزله. أنا غربي و هم شرقيون اختلف عنهم طبعاً و ديناً فما بالهم يسارعون إلى إكرامي، أنا الذي رأيت كيف يرتاب الناس من بعضهم. و لو أنك مررت على فلاح في أوروبا و أقرأته السلام. فهل يكرمك مثل هذا الإكرام؟ و إذا وجدت رجلاً يأكل و وقفت إلى جانبه، فهل هو يشركك طعامه عن طيب خاطر، و هل إذا قرعت باباً يفتح لك على مصراعيه فتنزل ضيفاً كريماً؟؟ تواردت هذه الخواطر على نفسي، و حاولت الإجابة عنها و عند ذلك علمت أن (الإسلام) هو الذي جعل تلك النفوس سامية كريمة.
و نمت مرة أخرى و رأيت عمود الدخان ينقلب حروفاً من ضوء تتجمع فتكون كلمة (الإسلام) وأفقت و قد أيقنت أن الله اختار لي الإسلام ديناً و شعرت براحة عجيبة، في السلام و السكينة إلى النفس، و يلهم الإنسان العزاء و راحة البال و السلوى في هذه الحياة، و قد تسرب روح الإسلام إلى نفسي فشعرت بنعمة الإيمان بالقضاء الألهي، و عدم المبالاة بالمؤثرات المادية من لذة و ألم.
إني لم أقدح علي هذا التغيير لمجرد خاطر وقتي طرأ على فكري، بل إني قد درست الدين الإسلامي مدة سنين، و لم اتخذه ديناً إلا بعد بحث قلبي عميق، و تحليل نفسي طويل، لم أغير ديني إلا لكي أجد الراحة من ضجيج الحياة الجنوني، و لأنعم بالسكينة في ظلال الهدوء و التأمل بعيداً عن متاعب الهموم و المحن التي يسببها التكالب على الكسب و التهالك على المال، الذي أصبح اليوم معبود البشر و الهم، و لأخلص نفسي من براثن الأغراء و خدع الحياة الباطلة، و الشراب و المخدرات و جنون فرقة الجاز. أسلمت لكي أنقذ ذهني و عقلي و حياتي من الهدم و التدمير.
أذكر أنني ذات مرة -و أنا أعمل مصوراً سينمائياً- كان علي أن التقط شريطاً سينمائياً لرجل عربي طويل مهيب يقف في رأس مئذنة و يؤذن للصلاة. و بينما كان يفعل ذلك… و أنا أقف جانباً، أراقب ما يفعل، كان صوته في ارتفاعه و انخفاضه ينفذ إلى أعماق قلبي..
و لما انتهينا من التصوير دعوت هذا العربي إلى مكتبي و أخذت أسأله عن دقائق الديانة الإسلامية، و اعتنقت الإسلام بعد ذلك، و أخذت أصلي معه و شعرت بقناعة النفس تغمرني رويداً، و بدأت أشعر بالسعادة و أكره كل الرغائب التي كانت تأسر نفسي.
و كان بعد ذلك أن جاء اليوم الذي اعتقدت فيه أني لا أستطيع أن أوقف بين عملي السينمائي و ديانتي الإسلامية و لا بد أن يذهب أحدهما، فأيهما؟ و كان ثمة عراك نفسي شديد، هل أضحي بعملي و مستقبلي من أجل ديني، أم بديني من أجل مستقبلي، هكذا بقيت أسهر الليلة بعد الليلة راقداً في فراشي و عيناي مفتوحتان حتى الصباح، افكر في حل هذه المكلة، حتى جاءني الرد من الله.
يجب أن أترك عملي السينمائي و ابتعد عن أخاديع "هوليود" و مغرياتها، و لقد كان ذلك مؤلماً لي عندما كنت أقوم بعمل شريط سينمائي في (ينس) فقد قمت ذات ليلة أصلي و بقيت أصلي مدة طويلة، فزادت قوتي، و اشتدت عزيمتي، و في اليوم التالي أدرت ظهري لعملي، و أعطيت جسمي و نفسي و حياتي للإسلام.
و أنا اليوم ابن الإسلام و أني سعيد أكثر مما كنت في أي يوم من أيام حياتي، و في مدينتي الغربية و مع ثيابي الغربية. سعيد كمؤمن بدين الإسلام الخالد الذي هو أكمل دين سماوي ارتضاه الله للبشرية.